لست الوحيد المجنون بحب المطر.. كنت أكثر جنونا مني.. كانت الدهشة، والسعادة تمتزجان فوق المشهد و أنت ترتجفين كالعصفور المبلل الجناحين..
التقينا تحت المطر.. صمت أطبق على الشفاه المرتجفة.. نظرنا إلى أنفسنا في نظرنا لبعضنا، ثم ابتسمنا حين أيقنا أننا مجنونان.. لست أدري؛ أبحب المطر أم كنا مجنونين بالجملة!!.. كنا رائعين، و كنت الأروع في المشهد..
..
اقتربت منك، و اقتربت من قلبي أكثر.. و صغر حجم المسافة الكلية.. و صرخ قلبي في وجهي أني أحبك.. عندما امتزجت أنفاسنا تحت أنوفنا، و هما قريبان جدا، و بعيدان بمسافة خطوة مجنونة..
أعيننا أزاحت الستار عن قصتنا، و شفاهنا تحدثت بالحكاية في صمت مقدس.. أغمضنا أعيننا، تنفسنا بعمق، و تأوهنا في اللحظة نفسها، و ابتسمنا تباعا، أنت ثم أنا، وكأننا قلنا كل شيء حين لم
كثر المارة، و الراكضون، و الهاربون من المطر.. كنا الوحيدين الواقفين بشموخ العشاق تحت المطر..
لأنهم لا يثقون بالحب، و بالآخر، فهم يخافون المطر.. لأن المطر يعري؛ و يغسل الحقيقة، فهم يلجئون إلى أي مكان هروبا من المطر..
كنا وحيدين في المكان و الزمان، لأننا فقدنا الإحساس بهما لحظة غمرنا المطر، وغسلنا، و زاوج بين أنفاسنا..
..
كانت المسافات تتلاشى، و المكان يعيد بناء نفسه.. كنا نبني في أعماقنا قصرا من رخام، معطرا بمسك و ريحان.. كان قصرا شامخا شموخ الحب الذي قيلت قصته في ذاك الصمت المهيب.. كانت يداي تمتدان شيئا فشيئا لتلامس يديك الطاهرتين..
قلت لك في صمت آخر:" ألا تدخلين معي قصرنا هذا؟؟".. ابتسمت مرة أخرى معلنة أنك موافقة.. تشابكت يدانا، و بدأنا المسير.. سرنا طويلا تحت المطر.. لم نقل أي شيء.. قد قيل كل شيء..
..
عندما كان لا بد أن نفترق يومها، أذكر أننا غرقنا مرة أخرى في حكاية الأعين الملتهبة شوقا، و عشقا.. حينها رأيت دمعتين ترسمان خطي رحيلهما فوق وجنتيك، كسرت صمتنا في صمت آخر.. فسارعت لمعالجتهما في حركة دافئة، ثم أحطت وجنتيك بيدي، و حركت رأسي يمينا ثم يسارا، و أنا أبتسم نصف ابتسامة اختفى نصفها الآخر في ظل سؤالي أن لا داعي لدمعتك تلك فهي تثير خوفي من شيء أجهله مطلقا، أو شيء أخاف أن أواجهه و أنا لا أعلم مداه.. أغمضت عينيك، و اتكأت برأسك على إحدى يدي، ثم نظرت إلي تتفحصين درجة حرارة مدينتي التي التهبت على حين غرة فوق التهابها الأول.. كانت شفتاي تقتربان في خوف من قدسية المكـان و رسمــــت فوق جبينك ما يشبه الإمضاء، و الخـتم على معاهدة الحب الأبدية.. حينها فررت على عجل.. و بقيت وحدي تحت المطر..
مطر!! مطر!!.. و توقف المطر.. فلم يعد يجدي توقفي، لذا قررت أنا الآخر أن أتوارى عن المشهد و العودة من حيث أتيت أول النهار..
.. أحبك.. كلمة كسرت الصمت الطافح..
نقل أي شيء.. و تركنا قلبينا يمتزجان في جنون تحت المطر..